29‏/09‏/2011

التدرج في التشريع و أثره في تغيير الواقع








الحمد لله رب العالمين منزل الحق المبين و أفضل الصلاة و أتم التسليم على إمام الموحدين المبعوث رحمة للعالمين .



فإن من عظيم منّ الله تعالى على عباده أن أرسل إليهم كتاباً ساطع النور مبهر الضياء، تستغرق النفس في سنائه، و تبحر  في سمت جماله.

هذا الجمال الذي كان لعظمة منهج التشريع دور في تجلية صورته، و إبراز عظمته المعجزة، تلك العظمة التي استهوت القلوب، و أسَرَت الألباب و العقول، و لم يملك أمامها أهل التشريع و القانون  إلا الإقرار بأن القرآن الكريم قد أعجز البشر بمنهجه،
و جعلهم يلتمسون السير على أثره؛ بغية تحقيق النجاح في التغيير الذي يسعون إليه في سبيل إصلاح أممهم.

و من أهم المناهج التي سلكها الحكيم سبحانه في التشريع؛ منهج التدرج الذي يمكننا أن نقتبس من نوره أشعة مرشدة هادية للإصلاح و التغيير في هذا الواقع.

وفي بحثنا هذا سنتعرض لبعض القضايا المرتبطة بالتدرج، و أثره في تغيير الواقع،
و من هذه القضايا:


* التدرج في التشريع مفهومه، و الحكمة منه.


*نموذج تطبيقي على التدرج في التشريع؛ (التدرج في تشريع الجهاد).

*التدرج منهجية تربوية.

*لوازم التغيير على ضوء التدرج.

*و في ختام هذا البحث سندرج شيئاً من شهادة علماء الغرب لهذا الدين.

المبحث الأول

التدرج في التشريع مفهومه، والحكمة منه


أولاً: مفهومه:

ومن ملامح الرحمة في شريعة الإسلام التدرج في التشريع، وقد قُررت في كثير من الأحكام وخاصة في المحرمات كالخمر والربا وذلك تهيئة للنفوس وضمانا للاستجابة لأحكامها رحمة من المشرع .

وقد كان التدرج في التشريع مسلكًا من مسالك علاج المجتمع وإصلاحه.

أما التدرج في الكشف عن حقيقة حكمٍ ما؛ فإنه يبدأ تلويحًا يفهمه الأذكياء، ثم تزداد الإبانة بما يكاد يوحي بالحكم، ثم يجيء الحكم حاسمًا بالمعنى المراد، وقد تم تحريم الربا والخمر بهذا الأسلوب المتأني، وليس في القرآن نص بإباحة الخمر أو الربا .



ثانياً: الحكمة منه:

والحكمة من التدرج هو ترويض النفوس على تقبل أحكام الله .. والتمهل في استئصال العادات القبيحة المتأصلة  في النفوس لا سيما العادات المتوارثة عبر قرون طويلة . وتخفيفًا على الناس، تماشيًا مع فطرة الإنسان التي يتطلب التعامل معها التزام التدرج لتغييرها وحسن الارتقاء بها،  كما أن التدرج يتلاءم مع منهج التغيير بشكل عام، إذ لا يمكن تغيير أوضاع المجتمعات لتتفق مع الشريعة إلا بأسلوب التدرج.

 والحقيقة أن التدرُّج يشمل سنن الحياة كلّها؛ فالحليب في ضرع الأم يبدأ خفيفاً، وتزداد قوّته الغذائية وكثافته مع نموِّ الطفل، والمعلِّم يتعهَّد تلاميذه المبتدئين بأسهل المعلومات، ثمَّ يتدرَّج بهم حسب نضوجهم العقلي وسموِّهم الفكري. وكذلك الأمم تتقلَّب كما يتقلَّب الأفراد في أطوار شتَّى، فمن الحكمة في سياستها وتشريعاتها، أن يُصاغ ويُختار لها ما يناسب حالها في الطور الَّذي تكون فيه، حتَّى إذا انتقلت منه إلى طور آخر لا يناسب ذلك التشريع الأوَّل، كان لازماً أن يوجد لها تشريع آخر يتَّفق وهذا الطور الجديد، وإلا لاختلَّ ما بين الحكمة والأحكام من الارتباط والإحكام.


المبحث الثاني

نموذج تطبيقي على التدرج في التشريع

(التدرج في تشريع الجهاد)

 المطلب الأول:

معنى الجهاد لغة، و اصطلاحاً:


أولاً:معنى الجهاد لغةً:

معنى (جهد) عند ابن منظور:

يقول:

(جَهد)، و(جُهد): الطاقة. و قيل (الجَهد): المشقة ، و (الجُهد): الطاقة.

وفي حديث أم معبد: شاة خلفها الجهد عن الغنم.

و أضاف ابن منظور قول الأزهري، (الجَهد): بلوغك غاية الأمر الذي لا تألو على الجهد فيه \ المبالغة و الغاية.

و في الحديث: أعوذ بالله من جَهد البلاء.

قيل: إنها الحالة الشاقّة التي تأتي على الرجل يختار عليها الموت.

و (الجهاد):محاربة الأعداء. و هو المبالغة و استفراغ الوسع في الحرب، أو اللسان، أو ما أطاق من شيء.


ثانياً: المعنى الإصطلاحي للجهاد:

هو في الاصطلاح قتال الكفار لنصرة الإسلام و إعلاء كلمة الله، و يطلق أيضاًعلى جهاد النفس و الشيطان،  و هو من أعظم الجهاد.


 

المطلب الثاني:

الجهاد في السياق القرآني


أولاً:مادة (جَهَدَ) في القرآن:

وردت مادة (جهد) و اشتقاقاتها في القرآن الكريم (41) مرة ، ثمانية منها في القرآن المكي، و تسع و عشرون مرة في القرآن المدني.

وردت مادة (جهد) في الصيغ و الإشتقاقات التالية:

v  (جاهدوا) :الفعل الماضي المقرون بواو الجماعة (11) مرة.

v  (جاهَد) :الفعل الماضي للمفرد (مرتين) في سورة التوبة المدنية، الآية(19)، و سورة العنكبوت المكية، الآية(6).

v  (جاهداك) :الفعل الماضي للمثنى (مرتين) في سورة العنكبوت، الآية(8)، و سورة لقمان المكية، الآية(15).

v  (تجاهدون) :الفعل المضارع المتصل بتاء المخاطب (مرة واحدة)، جاء في سورة الصف المدنية الآية(11).

v  (يجاهد):الفعل المضارع المفرد المتصل بضمير الغائب (مرة واحدة) في سورة العنكبوت المكية الآية(6).و الفعل المضارع المتصل بواو الجماعة (ثلاث مرات)، في سورتي التوبة الآية(44-81)، و المائدة الآية(54).

v  (جاهد): فعل الأمر (مرتين) في سورتي التوبة الآية(73)، و التحريم الآية(9). و من الملاحظ أن فعل الأمر بالجهاد جاء في سورتين مدنيتين، و خصص الجهاد في كلا الآيتين بجهاد الكفار، و المنافقين، و الأمر فيهما كان للرسول صلى الله عليه و سلم،    و كذلك فعل الامر للجماعة المسلمة ورد في ثلاث سور مدنية؛ سورة المائدة الآية (35)، و سورة التوبة الآيات(41، 86)، و سورة الحج الآية (78).

v  (جَهد): الجذر الثلاثي (خمس مرات)؛ سورة المائدة الآية(53)، الانعام آية (109)، و النحل الآية (38)، و النور الآية (53)، و فاطر الآية (42). و نلاحظ أن الجذر (جَهد) في كل هذه الآيات اقترن بالقسم بالله. كقوله تعالى في سورة الأنعام :((و أقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها))(آية109). و ورد مضموم الأول(جُهد) مرة واحدة.

v  (جهاد):المصدر ورد (مرة واحدة) في سورة التوبة، الآية(24).

v  (جهاداً):صيغة المبالغة من الجهاد وردت (مرتين)، في سورة الفرقان الآية(52)، و سورة الممتحنة الآية(1).

v  (المجاهدين، المجاهدون): جمع المذكر السالم ورد (أربع مرات).


 
المطلب الثالث:

 تشريع الجهاد ما بين المكي و المدني



* من اللطائف الملاحظة عند النظر في سياق الآيات أن الأمر بالجهاد

و تحمل ما يشتمل عليه من تبعات الإنفاق و البذل، و تقديم النفس
و التضحية لم يكن إلا في الآيات المدنية بعد أن أقامت الأمة الإسلامية دولتها، و بدأت تشتد شوكتها. لذا لا نجد صيغة الأمر من فعل الجهاد إلا في الآيات المدنية. عدى آية سورة الفرقان، قال تعالى: (( فلا تطع الكافرين و جاهدهم به جهاداً كبيرا))(52 الفرقان) و الذي يميز هذه الآية عن الآيات الأخرى التي أمرت بالجهاد أن وسيلة الجهاد هي القرآن الكريم و الثبات على الدعوة. فبعد أن حذر الله تعالى نبيه من الوهن في الدعوة أمره بالحرص و المبالغة فيها. و عبر عن ذلك بالجهاد و هو الاسم الجامع لمنتهى الطاقة. و صيغة المفاعلة فيه ليفيد مقابلة مجهودهم بمجهوده فلا يهن و لا يضعف، و لذلك وصف بالجهاد الكبير؛ أي الجامع لكل مجاهدة.

( و هذا فيه إشارة واضحة لضرورة مراعاة المجتمع و حالته عند السعي لفرض قانون أو تشريع ما...)


*عند النظر في كلمة (المجاهدون) سنرى أنها وردت في سور مدنية، و لم تنزل في سور مكية؛ وهذه السور هي سورة النساء في قوله تعالى:  (( لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ))(95)، و لقد تحدثت هذه الآيات عن مرحلة انتقالية جوهرية في حياة الأمة الإسلامية، و هي مرحلة الإنتقال من دار الكفرو الحرب إلى دار الإسلام، و في هذه المرحلة كان هنالك خطر حقيقي محدق بالجماعة المسلمة يستلزم منها تحقيق اللحمة في الصف المسلم المجاهد في سبيل الله بالنفس و المال. فالفردية ليست ذات فاعلية في مثل هذه المواقف.

و في ورود كلمة المجاهدين بصيغة جمع المذكر السالم دون صيغة المفرد (مجاهد)، دلالة واضحة على أن الاجتماع و الوحدة سبب أصيل من أسباب تحقيق النصر. فلا بد لكل من يدعو إلى الإصلاح و التغيير أن يجعل هدفه الجماعة، و ليس الفرد فقط. 


المبحث الثالث:

التدرج منهجية تربوية

المطلب الأول:
التربية الجهادية تربية مرحلية

نسطيع القول إن في مرحلية التربية الجهادية إشارة إلى أن التدرج عبارة عن عملية تأصيلية ذات حاجة حتمية للنفس الإنسانية سابقة للمرحلة التقريرية، و ممهدة لها.

و مما توحي به الآيات التي تحدثت عن الجهاد أن الجهاد يتدرج في مراتب، تشكل في مجموعها منظومة منهجية تربوية.

يشير الراغب في تعريفه إلى أن الجهاد أنواع: جهاد للشيطان، جهاد للعدو، و جهاد للنفس، و هي في قوله تعالى : ((وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ..))(78 الحج)، و قال صلى الله عليه و سلم: (جاهدوا أهواءكم كما تجاهدوا أعداءكم).



أولاً:
جهاد النفس

 لقد اهتم القرآن الكريم بموضوع جهاد النفس، و ذلك لأهمية جهاد النفس عن وعي
و علم بأحكام الإسلام، و لأن استقامة النفس البشرية على الطريق السوي للحصول على مرضاة الله لا تكون إلا من خلال مجاهدة هذه النفس عن مغريات الدنيا المختلفة، و لذلك كان تركيز القرآن الكريم لبيان أهمية مجاهدة النفس البشرية، و خصوصاً في الآيات المكية التي ركزت على أصول العقيدة و بنائها على أسس التقوى و الإيمان.


ثانياً:

جهاد الشيطان
حتى تكتمل المنظومة الجهادية التربوية لا بد للنفس المجاهدة أن تحرر نفسها من شراك الشيطان.
و في جهاد الشيطان مرتبتان:

*  جهاده على ما يلقي إلى العبد من الشبهات و الشكوك القادحة في الإيمان.

*  جهاده على دفع ما يلقي إليه من الإرادات الفاسدة و الشهوات، فالجهاد الأول يكون بعده اليقين، و الثاني يكون بعده الصبر.

قال تعالى:((و جعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا، و كانوا بآياتنا يوقنون))(السجدة24)

فأخبر أن إمامة الدين، إنما تنال بالصبر و اليقين، فالصبر يدفع الشهوات و الإرادة الفاسدة و اليقين يدفع الشكوك و الشبهات.

ثالثاً:

جهاد المنافقين و الكفار
إن الناس يؤمنون بمبادىء الأقوياء و لو كانت باطلة، و يعزفون عن مبادىء الضعفاء
 و لو كانت صحيحة، فكيف بالإسلام و هو الدين الذي ارتضاه الله للبشرية كافة.
وهذه القوة لا تتحقق في حال ترك الإنسان نفسه نهباً لأعداء الدين من الكفار و المنافقين،
و لا تصل الأمة الإسلامية إلى مرحلة التوفيق بهذه المرتبة من الجهاد إلا بعد أن تحقق الفلاح فيما سبقها من مراتب.

قال ابن حجر العسقلاني:(الجهاد شرعاً: بذل الجهد في قتال الكفار)
( و من هنا نستطيع القول إن العملية التربوية المرحلية هي العملية الناجحة التي تحقق الأهداف المرجوة لتغيير الواقع)


 
المطلب الثاني
مقومات الأمة المدعوة للجهاد
إن لمعرفة المرحلة التي أمرت فيها الأمة الإسلامية بالقتال دور مهم في تحديد الدعائم و المقومات التي جعلتها أهلاً لهذا الأمر، و الدوافع و الدواعي التي استلزمت هذه الدعوة.
أمر المسلمون بالقتال و جهاد الكفار في المرحلة المدنية لا المرحلة المكية، وذلك لأنه أصبح للمسلمين دولة في المدينة المنورة و قويت شوكتهم و تعززت قوتهم، و لا بدَّ لهم من استخدام القوة للحفاظ على هيبة الدولة و تمكين الناس من الدخول في الإسلام في ظل منعة دولة الإسلام و قوته.

و هذا ما ذهب إليه ابن القيم مخالفاً فيه ابن هشام الذي يرى ان الإذن بالقتال وقع في مكة المكرمة و بعده أمر الرسول –صلى الله عليه و سلم- أصحابه بالهجرة إلى المدينة.

 و يبين ابن القيم وجوه الغلط في ذلك بقوله:

*  أولاً: أن الله لم يأذن بمكة لهم بالقتال، و لا كان لهم شوكة يتمكنون بها مون القتال بمكة.

*  ثانياً:إن سياق الآية في قوله تعالى:(( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)))  يدل على أن الإذن بعد الهجرة و إخراجهم من ديارهم.

*  ثالثاً:إن الله تعالى قد خاطبهم في آخرها بقوله: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا..))(77 الحج) و الخطاب بذلك كله مدني، فأما الخطاب بـ : (( يا أيها الناس ))  فمشترك.

يقول سيد قطب في الظلال: أما المرحلة المكية فهي مرحلة جهاد التربية، تربية الوجدان و تربية الخلق و السلوك.


*  رابعاً: إن الله تعالى أمر المؤمنين بالجهاد الذي يعم الجهاد باليد و غيره، و لا ريب أن الأمر بالجهاد المطلق إنما كان بعد الهجرة، فأما جهاد الحجة فأمر به في مكة المكرمة بقوله تعالى:(( فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52)))(الفرقان)

*  خامساً: إن الحاكم روى في مستدركه عن ابن عباس قال: ((لما خرج رسول الله –صلى الله عليه و سلم-من مكة قال أبو بكر: أخرجوا نبيهم؟!! إنا لله و إنا إليه راجعون؛ليهلكن. فأنزل الله تعالى ((أذن للذين يقاتلون...)) و هي أول آية نزلت في القتال و سياق السورة يدل على أن فيها المكي و المدني.

و من هذا النموذج الذي تعرضنا له فيما يخص موضوع التدرج في التشريع نستخلص بعض لوازم التغيير في الواقع على ضوء هذا التدرج.


المبحث الرابع

لوازم التغيير على ضوء التدرج


*مسايرة الطبيعة، و الفطرة الإنسانية.(معرفة المدعو)

كل تشريع أو حكم أو قانون يصادم الفطرة الإنسانية و الطبيعة الكونية سيلقى الصدًّ حتماً.. فلا بد لكل من أراد الإصلاح أن يقدم ما يتماشى مع الفطرة الإنسانية و لا يعارضها أو يصادمها.

فالذي يقنن للإنسان على أنه بطن فقط قد قنن لملكة فيه دون ملكة و ذلك هو المذهب المادي الإقتصادي، و الذي يقنن للإنسان على أنّه عقل فقط تلك هي المدرسة العقلية، و الذي يقنن للإنسان على أنه عاطفة فقط ذلك أمر الأدباء
و الفنانين، و الذي يقنن للإنسان على أنه غرائز فقط ذلك أمر الوجوديين.

إذن فلا يمكن لإنسان أن يضع قانون التربية لذلك الكل، إلا إذا عرف حقيقة أجزائه المكونة له حتى لا يقنن لملكة على حساب أخرى.

لذلك راعى  التشريع الإسلامي مسايرة الطبيعة الإنسانية عن علم بها، و في ذلك يقول آتيين دينيه صاحب كتاب أشعة خاصة بنور الإسلام: إن الشرع الإسلامي لا يتعارض و لا يتصادم مع الطبيعة، لأنه شرع يسير ، فهو يساير قوانينها_ أي الطبيعة،

و يزامل أزمانها بخلاف ما تفعل الكنيسة من مغالطة الطبيعة

 و مصادمتها في كثير من شؤون الحياة، مثل ذلك الغرض الذي تفرضه على أبنائها الذين يتخذون الرهبنة فهم لا يتزوجون، و إنما يعيشون غرباء على ان الإسلام لا يكفيه أن يساير الطبيعة أن لا يتمرد عليها؛ بل هو يدخل على قوانينها ما يجعلها أكثر قبولاً و أسهل تطبيقاً.


* الإمتثال قبل الأمر:

 ليس من الصعب أن نجد من يأمر، و لكن الصعب إيجاد من يتمثل ما يأمر به.

إن امتثال الداعية لما يدعو إليه أساس في نجاح دعوته، و تفاعل المدعويين
و استجابتهم له.

و قد كان الرسول-صلى الله عليه و سلم- أكمل إنسان في هذا العالم،
 و شخصيته أعظم شخصية إنسانية؛ تخلق بأخلاق القرآن فكان ذا خلق عظيم،
و اتصف بكل كمال في كل مرحلة من مراحل حياته المثالية. و كان خير قدوة للعالم الذي نشأ فيه،و ما زال خير قدوة للعالم في الحاضر و المستقبل.
* إعطاء الأولوية الأولى لعلاج آفات المجتمع، و تقليص الفجوات الطبقية:

و هذه الأولوية هي ما دعى إليه القرآن؛ فعندما كانت الدعوة إلى البر بالفقراء
و المساكين و المحرومين و إطعامهم و الإنفاق عليهم جاءت مبكرة جداً، و بتعبير آخر في أوليات السور القرآنية نزولاً، و جاءت كمبدأ من مبادئ الدعوة الإسلامية
و أسسها و بأسلوب قوي .

*تحديد ميزان التفاضل :

إن لعدم وضوح ميزان الأفضلية في مجتمعاتنا حيناً و اختلال هذه الموازين حيناً آخر أثر في تخلف الكثير عن اتباع الاحكام و القوانين و التشريعات.

فقد نرى شارباً للخمر فاعلاً للموبقات لا يثنيه شيء عن فعله لأنه لا يرى أفضلية لأحد عليه؛ فهو يحيى مكرماً في مجتمعه كغيره من اهل الإستقامة.



لذلك كان تحديد ميزان التفاضل أمراً غاية في الأهمية.

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: علو الهمة من الإيمان، وذلك أنه لما كانت الشريعة الغراء قد ساوت بين الناس، و لما كان لا بد للناس من مراتب و درجات، لم تجعل لأحد منهم فضلاً على أحد إلا بعلو الهمة في مكارم الأخلاق و بالنبل و الذكاء. (و في ذلك فليتنافس المتنافسون).

و اما ما جاء في الإنجيل من قوله:من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضاً)، فذلك ضرب من ضروب الحطة بالنفس و النزول بها و الذهاب بكرامتها، كما أنه تشجيع ضمني لأهل السوء و الخباثة في أن يظهروا و يسودوا.

* التأصيل قبل الإلزام و التقرير:

مثل القلب الأجرد و القلب العامر بالإيمان كمثل الأرض الصلدا و الأرض الخصبة.

فالأرض الصلدا لا تنبت، و أما الخصبة فنباتها سيثمر و يعم خيره.

فلا بد للداعية أن يؤصل النفوس على الإيمان و يجعلها ذات رصيد إيماني حتى تكون ذات استعداد للامر و الإلزام.

  و المتمعن في الآيات مكيتها و مدنيتها يجد أن عناية القرآن بالفئات المعوزة
 و اهتمامه لشأنهم قد برزت في صورتين: الأولى في الدعة العامة المطلقة إلى البر بها و العطف عليها و الإحسان إليها و تخفيف بؤسها و التنويه بالمستجيبين و التنديد بالممتنعين؛ و الثانية: في الإلزام الرسمي إن صح التعبير أي في تحمل الدولة
و المسلمين بطريقها عبء تلك العناية تحميلاً إلزامياً، و ذلك بطريق تعيين موارد رسمية مثل الزكاة و الغنائم و الفيء التي تجبيها الدولة وتوزعها على تلك الفئات.


* التوجيه طريق التغيير:

الإسلام لم يستأصل أصل الغرائز و لم يكبت الشهوات و لم يصادر حرية الإنسان،
و إنما قصد التوجيه إلى الفضائل و ترك تنفيذ ذلك إلى إرادة الإنسن الحرة.




المبحث الخامس

شهادة علماء الغرب


إن عظمة هذا الدين جعلته ينتصر حتى على ألسنة غير ألسن أهله.


يقول جورج برناردشو:(سيكون دين محمد هو الدين الذي يؤسس عليه دعائم السلام العالمي، و السعادة الإنسانية و يستند على فلسفته و نظامه في حل المعضلات و فك العقد و المشكلات في العالم، و لذلك يمكنني أن أؤكد نبؤتي فأقول:إن بوادر العصر الإسلامي الأوروبي قريبة لا محالة)

26‏/09‏/2011

لكن.. لما النسيان؟!


لكن.. لما النسيان؟!

كشمعة في حلكة الظلام

و بسمة في مسرح الأحزان

كعصفور يزقزق.. كنسمة ترفرف

في غابة الغيلان

لكن لما النسيان؟؟!

كلمسة الحنان في جفوة الزمان

كزينة العروس في عالمٍ بؤوس

كأطياف الحمام في جنةٍ مهجورة

كطفلٍ جاء بعد عمرٍ من أم عقيم

فوجهه الأمان من كل عينٍ ساخطة تدور في المكان

لكن لما النسيان؟؟!

21‏/09‏/2011

لنرحل


لنرحل

لمكان بعيد لا تطاوله أيدي البشر و لا تتلاقى فيه إلا الأنفاس الطاهرة

ولا تتعانق فيه إلا تلك الأيادي البيضاء

المتعاليه عن الدنيا و ما فيها

إلى عالم امتزجت فيه ترانيم قدسيه

ليس فيها صخيب أنَات دنيويه

إلى نور ينبعث من عمق العيون... ليلامس شغاف القلب... بلا استئذان.... ولكن .....

بأعذب سلام

إلى عالم ليس هو العالم ..إلى مكان ليس هو المكان

إلى زمن تطاول على كل الأزمان

                                        و تعالى على الدنيا و اخترق المكان..

12‏/09‏/2011

رغم القسوة


رغم القسوة

بالصخرة قد تنبت زهرة

ناعمةً مشرقةً حلوة

ماثِلةً كعروس الجنة

فالصخرة قد تُنبِت زهرة

و الصرخة قد تَبعَث دَهرا

فالصمت و إن حلَّ ببابك

و أنامك في ليلٍ حالك

لا بدَّ لصوتك من كرَّة

كي تحيا من بعده حرا


06‏/09‏/2011

يا مركز عباد الرحمن


يا مركز عباد الرحمن
الخير الخير لمن جابت خطاه عتباتك..و ملأت عزتك وبهاءك قلبه وحناياه..

و استنشق عبير طهر نسماتك..ونهل من فيض بركات تلاوة آيات المولى في جنباتك..الخير الخير لمن نطقت نبضاته وفاءاً لك وتحركت أنفاسه وجاشت لنصرتك يا مركز العز والعلو والكبرياء يا خادماً لله ومعلياً راية دين الله..يا مركز عباد الرحمن لك كل الإجلال وجل الاحترام.

01‏/09‏/2011

من جديد(رسالة قلم)عدنا


بدمائه سطَّر

هل طُمِست حقاً أعينهم...

لا بل بقلوبهم الموتُ...

هل حقاً ما لمحوا يوماً للموتِ مكاناً مزدحمِ

هل حقاً طُمِست أعينهم عن عينٍ فُقئت..برصاصِ عدوٍ يتفجَّر؟؟

و الطفلُ ينادي يا أمي و يقولُ بصوتٍ يترجَّل:::

لا حزن علينا يا أمي...لا حُزن اليومَ فلن نُقهر...

فالله حبانا بجنانٍ ...نمشي بجنانٍ نتبختر..

فليسَ الموتُ بقاهِرنا...لا بل لعدونا يقهر..

فالموتُ جنانٌ يا أمي ...هل عندك في الدنيا أجمل

لا تحزني إن فقئت عيني ..أو سالَ دمي فوقَ الدفتر..

فدمي كلماتٌ سيَخُطُّ...لن يُقهَر ديني ..لن يقهر

أمي ....لا دم يغطيني ...

بل هذا سندُسٌ أخضر

أمي بمكاني لن يحفل من كانَ يقولُ و لا يفعل

أو كانَ يدندنُ أغنية...معاهدةُ سلامٍ أضمن..